الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي للفتاوي ***
الحاوي للفتاوي في الفقه وعلوم التفسير والحديث والأصول والنحو والإعراب وسائر الفنون لعالم مصر ومفتيها الإمام العلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي
الجزء الأول
ترجمة الحافظ السيوطي الحافظ السيوطي عن شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد. جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضيري السيوطي الشافعي المسند المحقق المدقق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة. ولد بعد مغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، وعرض محافيظه على العز الكناني الحنبلي فقال له ما كنيتك فقال لا كنية لي فقال "أبو الفضل" وكتبه بخطه. وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر، وقد وصل في القرآن إذ ذاك إلى سورة التحريم، وأسند وصايته إلى جماعة منهم الكمال بن الهمام فقرره في وظيفة الشيخونية ولحظه بنظره، وختم القرآن العظيم وله من العمر دون ثمان سنين، ثم حفظ عمدة الأحكام ومنهاج النووي وألفية ابن مالك ومنهاج البيضاوي، وعرض ذلك على علماء عصره وأجازوه، وأخذ عن الجلال المحلى والزين العقبى، وأحضره والده مجلس الحافظ ابن حجر، وشرع في الاشتغال بالعلم من ابتداء ربيع الأول سنة أربع وستين وثمانمائة فقرأ على الشمس السيرامي صحيح مسلم إلا قليلا منه والشفا وألفية ابن مالك فما أتمها إلا وقد صنف، وأجازه بالعربية وقرأ عليه قطعة من التسهيل وسمع عليه الكثير من ابن المصنف والتوضيح وشرح الشذور والمغنى في أصول فقه الحنفية وشرح العقائد للتفتازاني، وقرأ على الشمس المرزباني الحنفي الكافية وشرحها للمصنف ومقدمة ايساغوجي وشرحها للكاتي وسمع عليه من المتوسط والشافية وشرحها للجاربردي ومن ألفية العراقي، ولزمه حتى مات سنة سبع وستين، وقرأ في الفرائض والحساب على علامة زمانه الشهاب الشار مساحي، ثم لزم دروس العلم البلقيني من شوال سنة خمس وستين فقرأ عليه ما لا يحصى كثرة، ولزم أيضا الشرف المناوي إلى أن مات وقرأ عليه ما لا يحصى، ولزم دروس محقق الديار المصرية سيف الدين محمد بن محمد الحنفي، ودروس العلامة التقي الشمني، ودروس الكافيجي، وقرأ على العز الكناني، وفي الميقات على مجد الدين بن السباع والعز بن محمد الميقاتي، وفي الطب على محمد بن إبراهيم الدواني لما قدم القاهرة من الروم، وقرأ على التقي الحصكفي والشمس البابي وغيرهم. وأجيز بالإفتاء والتدريس. وقد ذكر تلميذه الداودي في ترجمته أسماء شيوخه إجازة وقراءة وسماعا مرتبين على حروف المعجم فبلغت عدتهم أحدا وخمسين نفسا واستقصى أيضا أسماء مؤلفاته الحافلة الكثيرة الكاملة الجامعة النافعة المتقنة المحررة المعتمدة المعتبرة فنافت عدتها على خمسمائة مؤلف، وشهرتها تغني عن ذكرها، وقد اشتهر أكثر مصنفاته في حياته في أقطار الأرض شرقا وغربا، وكان آية كبرى في سرعة التأليف حتى قال تلميذه الداودي: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفا وتحريرا، وكان مع ذلك يملي الحديث ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة، وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالا وغريبا ومتنا وسندا واستنباطا للأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث، قال ولو وجدت أكثر لحفظته، قال ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك. ولما بلغ أربعين سنة أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله تعالى والاشتغال به صرفا والإعراض عن الدنيا وأهلها كأنه لم يعرف أحدا منهم، وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس واعتذر عن ذلك في مؤلف سماه بالتنفيس، وأقام في روضة المقياس فلم يتحول منها إلى أن مات، ولم يفتح طاقات بيته التي على النيل من سكناه، وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته ويعرضون عليه الأموال النفيسة فيردها، وأهدى إليه السلطان قانصوه الغوري خصيا وألف دينار فرد الألف وأخذ الخصى فأعتقه وجعله خادما في الحجرة النبوية وقال لقاصد السلطان لا تعد تأتينا بهدية قط فان الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك، وطلبه السلطان مرارا فلم يحضر إليه، ورؤى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام والشيخ السيوطي يسأله عن بعض الأحاديث والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له هات يا شيخ السنة، ورأى هو بنفسه هذه الرؤيا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له هات يا شيخ الحديث... ومناقبه لا تحصر كثرة ولو لم يكن له من الكرامات إلا كثرة المؤلفات مع تحريرها وتدقيقها لكفى ذلك شاهدا لمن يؤمن بالقدرة. وله شعر جيدة كثير ومتوسطة أكثر، وغالبة في الفوائد العلمية والأحكام الشرعية. وتوفي سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة في منزله بروضة المقياس- بعد أن تمرض سبعة أيام بورم شديد في ذراعه الأيسر- عن إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يوما، ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله جامع الشتات والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث بالآيات البينات وعلى آله وصحبه وأزواجه الطاهرات. وبعد فقد استخرت الله تعالى في جمع نبذ من مهمات الفتاوى التي أفتيت بها على كثرتها جدا مقتصرا على المهم والعويص وما في تدوينه نفع واجدا وتركت غالب الواضحات وما لا يخفى على ذوي الأذهان القادحات، وبدأت بالفقهيات مرتبة على الأبواب ثم بالتفسير ثم بالحديث ثم بالأصول ثم بالنحو والإعراب ثم بسائر الفنون إفادة للطلاب وسميت هذا المجموع (الحاوي للفتاوى).
مسألة: في قول إمامنا الشافعي رضي الله عنه في بعض كتبه الماء المطل: إنه الذي يقول رائيه هذا ماء، وتبعه في ذلك الأصحاب هل ينافي قول كثير من شارحي المنهاج في قوله فان بلغهما بماء ولا تغير فطهور إنه نكر الماء ليشمل الطهور والطاهر والمتنجس حيث جعل التنكير والعرو عن القيد وصفا للماء في الأول بالإطلاق دون الثاني إذ لا منافاة بين الوصفين. الجواب: إن المذكور في حد الماء المطلق "إنه الذي يقول رائيه هذا ماء" راجع إلى العرف، والمذكور في قوله فإن بلغهما بماء بالنظر إلى المعنى اللغوي فإن الماء في اللغة يصدق بالطهور وبالطاهر وبالنجس ولهذا قالوا في قول التنبيه باب المياه إنه جمع الماء وإن كان اسم جنس واسم الجنس لا يجمع إلا عند اختلاف أنواعه لأن أنواع الماء مختلفة فيتنوع إلى طهور وطاهر ونجس وحرام ومكروه فعلم بذلك صدقه على هذه الأنواع لغة، وأما الضابط المذكور في حد المطلق فإنما أخذ من العرف لاعتبار الشارع له، والعرف لا يطلق الماء على ما عدا المطلق إلا مقيدا لا مطلقا بأن يقول ماء نجس أو ماء مستعمل أو ماء زعفران، ويؤكد كونهم نظروا في ضابط المطلق إلى العرف قول الشيخين في سلبه عن المتغير بالمخالط في الكثير، ولهذا لو حلف لا يشرب ماءا لم يحنث بشربه لأن الإيمان مبناها العرف والعرف لا يسمي هذا ماءا، وقولهم في قاعدة ما لا ضابط له في الشرع ولا اللغة إنه يرجع فيه إلى العرف من ذلك الماء المطلق فعلم بهذا كله أنه لا منافاة بين الكلامين لأن الأول ضابط جرى على المصطلح العرفي والثاني تعبير جرى على الوضع اللغوي والمنكر بوضعه شامل للمطلق والمقيد. مسألة: في القطران المستعمل في القرب إذا تغير به طعم الماء أو لونه أو ريحه هل يكون ذلك مانعا له من إطلاق اسم الماء حتى يسلب الطهورية وهل هو مجاور أو مخالط، والزفت المستعمل في الجرار إذا غير الماء هل يسلبه الطهورية أم لا. الجواب: قال النووي رحمه الله في شرح المهذب: قال الشافعي رضي الله عنه في الأم: إذا وقع في الماء قطران فتغير ريحه جاز الوضوء به ثم قال بعد بأسطر إذا تغير بالقطران لم يجز الوضوء به فقال الأصحاب ليست على قولين بل على حالين فان القطران ضربان مختلط وغيره وقال بعض الأصحاب هما قولان وهو غلط. هذا كلام شرح المهذب، قلت: بقي صورتان لم ينبه عليهما إحداهما ما إذا تغير لونه فإن الشافعي رضي الله عنه إنما فرض المسألة في تغير الريح ويظهر لي أن التغير باللون دليل المجاورة، والثانية ما إذا كان من صلاح الوعاء فإني سمعت أن القرب إذا لم تدهن به أسرع إليها الفساد فقد يقال إن هذا حينئذ من المعفو عنه كالذي في مقر الماء وغيره، وقد يقال لا والفرق واضح.
مسألة: قالوا لو اشترى آنية ذهب أو فضة جاز، وهو مشكل على قولنا لا يجوز اتخاذ آنية الذهب و الفضة. الجواب: لا إشكال لأن مرادهم صحة الشراء لا إباحته، وقد يصح الشيء مع تحريمه وفرق بين الأمرين على أن النووي قال في شرح المهذب ينبغي تخريجه على جواز الاتخاذ فإن منعناه كان كبيع المغنية. مسألة: قالوا لو اشترى آنية ذهب أو فضة جاز، وهو مشكل على قولنا لا يجوز اتخاذ آنية الذهب و الفضة. الجواب: لا إشكال لأن مرادهم صحة الشراء لا إباحته، وقد يصح الشيء مع تحريمه وفرق بين الأمرين على أن النووي قال في شرح المهذب ينبغي تخريجه على جواز الاتخاذ فإن منعناه كان كبيع المغنية.
مسألة: قال بعض المحققين الآن في شرحه في الكلام على الاستتار عند قضاء الحاجة: ويكفي الستر بالوهدة ونحوها وبإرخاء الذيل، ولا يخفى أن محل عد الستر من الآداب إذا لم يكن بحضرة من يرى عورته ممن لا يحل له نظرها أما بحضرته فهو واجب وكشف عورته بحضرته حرام كما صرح به في شرح مسلم وجزم به صاحبا التوسط والخادم والبلقيني في فتاويه وقد قال الشيخ شهاب الدين ابن النقيب في نكته في قوله ويبعد ويستتر أي ويستر عورته ولو بشجرة وقال الشيخ جمال الدين الأسنوي في القطعة في قوله ويستتر عن عيون الناس فتحرر أن المراد ستر العورة عن عيون الناظرين وقد قال أعني الأسنوي في أثناء الكلام على قوله يقدم داخل الخلاء يساره والخارج يمينه: تنبيه - جميع ما هو مذكور في هذا الباب من الآداب محمول على الاستحباب إلا الاستقبال والاستدبار في الصحراء قاله في شرح المهذب وسنذكر من لفظ المصنف ما يدل عليه فاعلمه ثم قال في كلامه على قوله ويحرمان بالصحراء: تنبيهات - أحدها أن عدول المصنف هنا إلى التحريم دون ما قبله وما بعده من الآداب يعرفك عدم تحريمها وهو كذلك كما سبق انتهى، وقد قالوا في الغسل إنه يحرم كشف العورة له بحضرة الناس، والمسؤول بيان ما يعول عليه من ذلك هل هو عدم جواز كشف العورة له بحضرة الناس في قضاء الحاجة والغسل والاستنجاء أو جواز الكشف لذلك وعلى الناس غض أبصارهم، وبيان أن الثلاثة على نسق واحد في الجواز وعدمه أو أن بعضها مخالف لبعض وإذا قلتم إن بعضها يخالف الباقي فما الفرق وهل يقال إن الغسل محل حاجة بدليل أنه يمكن مع الستر بالإزار، والبول والاستنجاء محل ضرورة في الجملة فيسامح فيهما بما لا يسامح في الغسل، والمسؤول بيان ما يعول عليه من ذلك متفضلين بعزو ما يكون منقولا وبتوجيه غيره لتكمل الفائدة. الجواب: المعول عليه تحريم كشف العورة بحضرة الناس في قضاء الحاجة والغسل والاستنجاء الذي قاله الشارح المشار إليه صحيح وأما استشكاله بقول الأسنوي إن جميع ما في الباب محمول على الاستحباب وعد من ذلك الستر وفسره بقوله عن عيون الناس فقد تبع في هذه العبارة أكثر الأصحاب وقد استشكل ذلك على الأصحاب الجيلي ثم النووي كلاهما في شرح التنبيه فقالا إن عد ذلك أدبا فيه إشكال لأن ستر العورة واجب وعبارة الروضة حسنة فإنه قال أن يستر عورته عن العيون فيمكن حمل العيون على عيون الجن فيصح عد ذلك أدبا بهذا الاعتبار، وقد ظهر لي تأويل حسن لعبارة من قال عن عيون الناس ذكرته في حاشية الروضة وهو أنه ليس المراد بالناس الحاضرين بل من قد يمر من الطارقين حال قضاء الحاجة فخوطب من أراد قضاء الحاجة وهو خال من المارين بالاستعداد للاستتار لاحتمال أنه إذا جلس بلا سترة يمر عليه فجأة مار فيقع بصره على عورته، وهذا مستحب بلا شك لأنه ليس فيه كشف العورة بحضرة أحد وقد يفرغ من حاجته قبل أن يمر أحد أو يشعر بمن مر قبل أن يراه فينحرف أو يرخي ذيله، وهذا التأويل حسن أو متعين فيفسر قولهم عن عيون الناس أي الطارقين بغتة لا الحاضرين أما الحاضرون فالستر عنهم واجب وحاصل الفرق أن النظر من الحاضرين حاصل في الحال فكان الستر واجبا ومن الطارقين متوقع أو متوهم فكان أدبا إذ لا تكليف قبل الحصول، ويحتمل أن يقال بالتفرقة بين صورة وصورة فمن كان قريبا من الناس بحيث يميز البصر عورته حرم الكشف للبول والاستنجاء بحضرتهم عليه ومن كان بعيدا وهم يرونه على بعد من غير تمييز لعورته ولا إدراك للون جلده بل إنما يرون شبحا كما يقع كثيرا لمن يستنجي على شطوط الأنهار فهذا يظهر أن يقال فيه بالجواز ويظهر أن يقال بالجواز أيضا في صورة وهو أن يأخذه البول وهو في مكان محبوس بين جماعة ولا سبيل إلى جهة يستتر بها فهذا يجوز له التكشف للبول وعليهم غض أبصارهم، وكذا لو احتاج إلى الاستنجاء وقد ضاق وقت الصلاة ولم يجد بحضرة الماء مكانا خاليا فهذا أيضا يجوز له وعليهم الغض والله أعلم. مسألة: لو شم الشخص يده بعد الاستنجاء فأدرك فيها رائحة النجاسة فقد صرح النووي بنجاسة اليد دون المحل وهو مشكل لأن اليد منفصلة عن المحل ومكتسبة منه. الجواب: ذكر في شرح المهذب أن المسألة مبنية على مسألة ما لو غسلت النجاسة وبقيت رائحتها يعني مع العسر والأرجح فيها الطهارة فكذلك هنا الأرجح طهارة المحل وأما اليد فلم تغسل بعد فهي باقية على النجاسة يجب غسلها.
مسألة: لو بالغ في المضمضة وهو صائم هل يحرم أو يكره. الجواب: المبالغة للصائم مكروهة، صرح بالكراهة في شرح المهذب. مسألة: لو نوى الاغتراف بعد غسل الوجه فهل يحتاج إلى تجديد النية لكون نية الاغتراف قاطعة لرفع الحدث كما لو طرأت نية التبرد. الجواب: لا يحتاج إلى ذلك أفتى به الشيخ جلال الدين البلقيني وعلله بأن نية التبرد فيها صرف لغرض آخر وإنما ينوي الاغتراف لمنع حكم الاستعمال فهذا ولا بد يكون ذاكرا لنية رفع الحدث.
مسألة: لو كان سليم إحدى الرجلين والأخرى عليلة بحيث يسقط غسلها فهل يجوز لبس الخف في إحداهما، وقد قطع الدارمي بالصحة وقطع العمراني بالمنع. الجواب: قد صحح في زوائد الروضة مقالة العمراني.
مسألة: إذا اغتسل عن الجنابة هل يشترط في الوضوء الذي يتوضأه قبله الموالاة أم لا، وإذا توضأ هذا الوضوء، ثم انتهى بسبب من الأسباب قبل الغسل مع قرب الزمن هل يشترط إعادته لتحصيل السنة أم لا، وهل سنة الوضوء كذلك إذا انتهت قبل تمامه. الجواب: لا تشترط الموالاة ولا الإعادة. مسألة: لو ألقت المرأة بعض ولد ولم تر بللا فلا غسل، وهو مشكل مع قولنا أن الولد يخلق من منيهما. الجواب: لم أر التصريح ببعض الولد في كلامهم وقد قالوا فيما لو ألقت علقة أو مضغة بلا بلل إنه يجب الغسل، ومقتضاه أن بعض الولد كذلك ويمكن الفرق. مسألة: البلل على الولد هل هو طاهر أو نجس وهل ينجس ما أصابه. الجواب: قال الماوردي في الحاوي ما نصه: فصل: فأما حمل الميتة فإن انفصل بعد موتها حيا فهو طاهر ولكن قد نجس ظاهر جسمه بالبلل الخارج معه ولو كان قد انفصل منها في حياتها كان في البلل الخارج معه ومع البيضة من الطائر وجهان لأصحابنا أحدهما نجس كالبول والثاني طاهر كالمنى وهكذا البلل الخارج من الفرج في حال المباشرة على هذين الوجهين، وقال البغوي في التهذيب يجب غسل البيضة إن وقعت حالة الانفصال في مكان نجس وإن وقعت في مكان طاهر لا يجب على قول من يقول بلل باطن الفرج طاهر وعلى قول من يقول بلل باطن الفرج نجس يجب غسله، وقال صاحب البيان وفي نجاسة بيض ما لا يؤكل لحمه وجهان كمنيه فإذا قلنا إنه طاهر فهل يجب غسل ظاهره؟ فيه وجهان بناء على نجاسة رطوبة فرج المرأة، وفي فتاوى ابن الصلاح سئل هل يكون المولود إذا وضع على الأرض نجسا أم لا ؟ فأجاب لا يحكم بنجاسة المولود عند ولادته على الأصح الظاهر من أحوال السلف رضي الله عنهم، وفي شرح المهذب في باب الآنية ما نصه: وأما البيضة الخارجة في حياة الدجاجة فهل يحكم بنجاسة ظاهرها؟ فيه وجهان حكاهما الماوردي والروياني والبغوي وغيرهم بناء على الوجهين في نجاسة رطوبة فرج المرأة وكذا الوجهان في الولد الخارج في حال الحياة ذكرهما الماوردي والروياني، وفي شرح المهذب أيضا في باب إزالة النجاسة وهل يجب غسل ظاهر البيض إذا وقع على موضع طاهر؟ فيه وجهان حكاهما البغوي وصاحب البيان وغيرهما بناءا على أن رطوبة الفرج طاهرة أم نجسة وقطع ابن الصباغ في فتاويه بأنه لا يجب غسله وقال الولد إذا خرج طاهر لا يجب غسله بإجماع المسلمين فكذا البيض وقال بعده بأوراق ما نصه: الرابعة في الفتاوى المنقولة عن صاحب الشامل أن الولد إذا خرج من الجوف طاهر لا يحتاج إلى غسله بإجماع المسلمين، قال ويجب أن يكون البيض كذلك فلا يجب غسل ظاهره، قال والنجاسة الباطنة لا حكم لها ولهذا اللبن يخرج من بين فرث ودم وهو طاهر حلال وقال الأسنوي في المهمات رأيت في الكافي للخوارزمي أن الماء لا ينجس بوقوع المولود فيه على الأصح قال فيحتمل أن يكون الخلاف مفرعا على الخلاف وأن يكون مفرعا على القول بعدم وجوب الغسل لكونه نجسا معفوا عنه انتهى، لكن جزم الرافعي في الشرح الصغير بنجاسة البلل الخارج مع الولد ونقله الزركشي في الخادم وحكاه عن تصحيح الروياني في البحر فإن قصد الرافعي ولد غير الآدمي فهو على أصله لأن الأصح عنده نجاسة مني غير الآدمي ونجاسة رطوبة الفرج من غير الآدمي وإن أراد الآدمي وغيره فهو مخالف للبناء الذي ذكره الماوردي وغيره. مسألة: هل يجوز للجنب قراءة سورة الكهف لا بقصد القرآن. الجواب: يجوز للجنب إيراد شيء من القرآن إذا لم يقصد القرآن بل قصد الذكر أو الوعظ أو الأخبار مثل (يا يحيى خذ الكتاب) ونحو ذلك، أما قراءة سورة الكهف لا بقصده فإن ذلك لا يتصور إيراده بلا قصد القرآن لأنه إنما يظهر الخلو عن قصد القرآن في آية أو نحوها أما مثل سورة كاملة فإنها لا يتصور فيها ذلك لأنها لا يقصد منها كلها شيء مما ذكروا للفظ الموضوع للتلاوة.
مسألة: الأرض الترابية إذا تنجست نجاسة مغلظة ثم وطئها شخص وعلق به التراب أو الوحل المتنجس فهل يحتاج في تطهيره إلى تعفير أم لا، وإذا قلتم إنه يحتاج إلى تعفير فيما الفرق بينه وبين ما إذا أصابه شيء من الغسلة الثانية وقد عفر في الأولى بجامع أن ما أصابه من الغسلة الثانية لا يجب تعفيره إذ هو من شيء لا يطلب تعفيره وكذلك ما أصابه من الأرض من شيء لا يطلب تعفيره. الجواب: يحتاج إلى التعفير وذلك منقول والفرق بينه وبين الأرض الترابية حيت لا تحتاج هي أن لا تعفر أنه لا معنى لتتريب التراب وهنا المتنجس غير التراب وهو البدن أو الثوب بالتراب المتنجس والتراب المتنجس لا يكفي في الولوغ وفي وجه يكفي فلا يحتاج إليه على هذا، قال ابن السبكي في الطبقات كان أبو بكر الضبعي يذهب إلى أن تراب الولوغ يجوز أن يكون نجسا وهو وجه غريب حكاه الرافعي، قال أبو عاصم وذكر أنه ركب يوما فأصاب ذراعه طين من وحل كلب فأمر جاريته بغسله وتعفيره فقالت الجارية أما في الطين تراب فقال أحسنت أنت أفقه مني. انتهى ما حكاه ابن السبكي، وهذه عين المسألة المسؤول عنها، وقد صرح ابن السبكي بأن ارتضاءه بعدم التعفير مبنى على رأيه من الاكتفاء بالتراب النجس وهو وجه ضعيف فيكون على مقابلة وهو الأصح محتاجا إلى التعفير وقد أوضحنا علته وأما الفرق بينه وبين ما يصيب من الغسلة الثانية بعد التعفير فهو أنه من شيء وقع تعفيره لا من شيء لم يطلب تعفيره في الأصل، وقد تقرر أن حكم غسالة النجاسة كحكم المغسول بها بعد غسلها فما كان حكمه كان حكم ما أصابته. مسألة: لو أكل الشخص لحم كلب أو خنزير وراثه من غير استحالة هل يسبع المحل. الجواب: لا يسبع نص عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه ونقله المتأخرون. مسألة: إذا وقع أو ألقى في الخمر عين طاهرة كحصاة أو جريدة أو شيء مما يؤكل وأزيل ثم انقلبت خلا هل تطهر أولا، وإذا بقي فيها شيء مما ذكر حتى صارت خلا هل تنجسها أولا، وإذا انفصل شيء من الخمر أو فصل وعاد إليه أو أعيد أو صب عليها خمر ثم انقلبت خلا هل تطهر أم لا. الجواب: عن الصورة الأولى أنها تطهر ففي فتاوى النووي: إذا وقعت في الخمر نجاسة أخرى كعظم ميتة ونحوه فأخرجت منها ثم انقلبت الخمر خلا لم تطهر بلا خلاف ذكره صاحب التتمة، وعبارة الزركشي في الديباج: الخمر إذا تخللت تطهر إجماعا، قال في التتمة هذا إن لم يقع فيه نجاسة أخرى فإن وقعت ثم أخرجت وتخللت لم تطهر قطعا ففرض المسألة فيما إذا كان الواقع نجاسة أخرجت قبل التحليل يقتضي أنه لو لاقاها عين طاهرة وأخرجت قبل التخليل فإنها تطهر إذا تخللت فإن المدرك هنا طرف نجس أجنبي، ومنه أخذ من أخذ أن النجس نجس وهو هنا مفقود ولا عبرة بما عساه يتوهم من أن العين تنجس ثم تنجس فإن ذاك إنما يظهر أثره بعد الانقلاب كما لا يخفى، ومن نظائر ذلك أن طروء النجس الأجنبي يمنع الاستنجاء بالحجر ولا يمنعه مر الحجر الطاهر من أول المحل إلى آخره وإن تلوث بأول جزء إذا لم ينفصل، وكذا مر الماء على الثوب النجس المراد تطهيره وعلى محل الحدث، وحاصل ما ذكرناه التفرقة بين النجسة والطاهرة في الملاقاة قبل التخليل لما في الأولى من طروء نجاسة أجنبية والى ذلك يشير قول النووي نجاسة أخرى والتفرقة في الطاهرة بين ما إذا زالت قبل التخليل وما إذا بقيت بعده فإنها في الحالة الأولى مشاكلة وفي الثانية مغايرة فإنها في الأولى متلوثة بخمر في خمر فلا تؤثر وفي الثانية متلوثة بخمر في خل فتنجس وعن الثانية أنها لا تطهر على الأصح وهي منقول الكتب وعن الثالثة أن الظاهر أنها تطهر لأنه لا فرق في وضع الخمر في الدن بين أن يوضع دفعة واحدة أو شيئا بعد شيء فصب خمر على خمر بمثابة ما لو وضع في الدن أولا كوز منه ثم كوز ثم كوز وهكذا فلا فرق في ذلك بين طول الزمان وقصره ولا بين أن يوضع عليه خمر من خارج أو يؤخذ منه ويعاد إليه والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم ورد على سؤال صورته: ما قول مولانا شيخ الإسلام حافظ العصر مجتهد الوقت عالم أهل الأرض المبعوث في المائة التاسعة في شعر السنجاب ونحوه من شعور الميتة هل يطهر بالدباغ تبعا للجلد أو لا؟. ولسنا نسألكم عن مشهور مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه فإن الأظهر من قوليه عند الجمهور عدم الطهارة بل نسألكم عما يقتضيه الدليل والنظر من حيث الاجتهاد، والمسؤول أن يكون الجواب على طريقة الاجتهاد وأصحاب الاختيارات. الجواب: الحمد الله وسلام على عباده الذين اصطفى، الكلام على هذه المسألة يحتاج إلى تحرير مقدمتين: الأولى في أن الشعر هل ينجس بالموت أو لا ينجس به بل يبقى على طهارته، والثانية في مذاهب العلماء في طهارة الجلد بالدباغ وعدمها وحجج كل منهما. أما المقدمة الأولى فقد اختلف العلماء في نجاسة الشعر بالموت فذهب جماعة إلى نجاسته منهم عطاء والشافعي فيما حكاه عنه جمهور أصحابه البويطي والمزني والربيع المرادي وحرملة وأصحاب القديم وصححه جمهور المصححين، وقال أكثر الأئمة إن الشعر لا ينجس بالموت منهم عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وحماد بن أبي سليمان الكوفي وأبو حنيفة ومالك والشافعي في آخر قوليه، قال صاحب الحاوي حكى ابن شريح عن أبي القاسم الأنماطي عن المزني عن الشافعي أنه رجع عن تنجس الشعر، وذهب إليه أيضا أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه والمزني وابن المنذر وداود، وقال أبو حنيفة لا ينجس شيء من الشعر بالموت إلا شعر الخنزير واحتج هؤلاء بقول الله تعالى (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) وهذا عام في كل حال وبقوله صلى الله عليه وسلم في الميتة "إنما حرام أكلها" رواه الشيخان، وبأن الشعر لا تحله الحياة بدليل أنه إذا جز لا يألم صاحبه فلا يحله الموت المقتضى للتنجيس فلا يكون نجسا بل يبقى على طهارته كما كان قبل الموت، وبأن المقتضى لتنجيس اللحم والجلد ما فيها من الزهومة ولا زهومة في الشعر فلا ينجس، وحكى العبدري عن الحسن وعطاء والأوزاعي والليث بن سعد أن الشعر ينجس بالموت ولكن يطهر بالغسل، واحتجوا بحديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا بأس بجلد الميتة إذا دبغ ولا بشعرها إذا غسل" رواه الدار قطني وسنده ضعيف، وبالقياس على شعر غيرها إذا حلت فيه نجاسة فإنه يطهر بالغسل كسائر الجامدات إذا طرأت نجاستها، وحكى الربيع الجيزي عن الشافعي أن الشعر تابع للجلد يطهر بطهارته وينجس بنجاسته، وهذا أقوى المذاهب كما سنذكره. وأما المقدمة الثانية فللعلماء في جلود الميتة سبعة مذاهب: أحدها لا يطهر بالدباغ شيء منها، روى ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه وعائشة وهو أشهر الروايتين عن أحمد ورواية عن مالك، والثاني يطهر بالدبغ جلد مأكول الحكم دون غيره، وهو مذهب الأوزاعي وابن المبارك وأبي ثور وإسحاق بن راهويه ورواية أشهب عن مالك، والثالث يطهر به كل جلود الميتة إلا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وهو مذهب الشافعي وحكوه عن علي بن أبي طالب وابن مسعود، والرابع يطهر به الجميع إلا جلد الخنزير وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن مالك حكاها ابن القطان، والخامس يطهر الجميع حتى الكلب والخنزير إلا أنه يطهر ظاهره دون باطنه فيستعمل في اليابس دون الرطب ويصلي عليه لا فيه وهو مذهب مالك فيما حكاه أصحابنا عنه، والسادس يطهر الجميع حتى الكلب والخنزير ظاهرا وباطنا. قاله داود وأهل الظاهر وحكاه الماوردي عن أبي يوسف وحكاه غيره عن سحنون من المالكية، والسابع ينتفع بجلود الميتة بلا دباغ ويجوز استعمالها في الرطب واليابس - حكوه عن الزهري. واحتج أصحاب المذهب الأول بأشياء منها قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة) وهو عام في الجلد وغيره، وبحديث عبد الله بن عكيم قال أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر أن "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" وهذا الحديث هو عمدتهم وقد أخرجه الشافعي في حرمله وأحمد في مسنده والبخاري في تاريخه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والدارقطني والبيهقي وغيرهم، قال الترمذي سمعت أحمد بن الحسين يقول كان أحمد بن حنبل يذهب إلى حديث ابن عكيم هذا لقوله قبل وفاته بشهر وكان يقول هذا آخر الأمر، قالوا ولأنه جزء ن الميتة فلا يطهر بشيء كاللحم وأن المعنى الذي نجس به هو الموت وهو ملازم له لا يزول بالدبغ ولا يتغير الحكم. واحتج أصحاب المذهب الثالث بما أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دبغ الاهاب فقد طهر" وفي لفظ "أيما إهاب دبغ فقد ظهر" وبما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال "هلا أخذوا أهابها فدبغوه فانتفعوا به" قالوا يا رسول الله إنها ميتة قال "إنما حرم أكلها" وبما أخرجه البخاري عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننتبذ فيه حتى صار شنا وروى أبو يعلي في مسنده بإسناد صحيح عن ابن عباس قال ماتت شاة لسودة فقالت يا رسول الله ماتت فلانة يعنى الشاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فهلا أخذتم مسكها" قالت نأخذ مسك شاة قد ماتت - فذكر تمام الحديث كرواية البخاري، وروى مالك في الموطأ وأبو داود والنسائي وابن ماجة بأسانيد حسنة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت، وروى أحمد في مسنده وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في المستدرك والبيهقي في سننه وصححاه عن ابن عباس قال أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ من سقاء فقيل له أنه ميتة فقال: (دباغه يذهب بخبثه - أو نجسه أو رجسه) وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح من طريق جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة قال ما عندي إلا ماء في قربة لي ميتة قال: (أليس قد دبغتها) قالت بلى قال (فإن دباغها ذكاتها) وروى أبو داود والنسائي والدارقطني عن ميمونة قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجال يجرون شاة لهم مثل الحمار فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أخذتم أهابها) قالوا أنها ميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطهرها الماء والقرظ وروى الدارقطني والبيهقي في سننهما بسند حسن عن ابن عباس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة فقال هلا انتفعتم باهابها فقالوا يا رسول الله أنها ميتة قال: (إنما حرم أكلها أو ليس في الماء والقرظ ما يطهرها) وفي لفظ عند الدارقطني قال (إنما حرم من الميتة أكلها) وفي لفظ عنده قال (إنما حرم لحمها ودباغ أهابها طهوره) وفي لفظ عنده قال إنما حرم عليكم لحمها ورخص لكم في مسكها) قال الدارقطني هذه أسانيد صحاح، وروى الدارقطني عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ذكاة الميتة دباغها) وفي لفظ طهورها دباغها) وروى الدارقطني عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دباغ كل اهاب طهوره) وروى الدارقطني بسند صحيح عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إيما إهاب دبغ فقط طهر) وروى الخطيب في تلخيص المتشابه من حديث جابر مثله، وروى الطبراني في الكبير والأوسط عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في بعض مغازيه فمر بأهل أبيات من العرب فأرسل إليهم (هل من ماء لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقالوا ما عندنا ماء إلا في إهاب ميتة دبغناها بلبن فأرسل إليهم (أن دباغه طهوره) فأتي به فتوضأ ثم صلى، وروى أبو يعلي في مسنده عن أنس قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا بني أدع لي من هذه الدار بوضوء فقلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب وضوءا فقالوا أخبره أن دلونا جلد ميتة فقال سلهم هل دبغوه قالوا نعم قال (فإن دباغه طهوره) وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة فقال (ما ضر أهل هذه لو انتفعوا بإهابها) وروى الطبراني في الكبير عن سنان بن سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على جذعة ميتة فقال (ما ضر أهل هذه لو انتفعوا بمسكها) وروى الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شاة فقال ما هذه فقالوا ميتة قال النبي صلى الله عليه وسلم (ادبغوا أهابها فإن دباغه طهوره) وروى الدارقطني عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (دباغ جلود الميتة طهورها) وروى الدارقطني عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (طهور الأديم دباغه) وروى أبو يعلى والطبراني والدارقطني عن أم سلمة أنها كانت لها شاة فماتت فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفلا انتفعتم بإهابها) قلنا إنها ميتة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن دباغها يحل كما يحل الخل من الخمر)، وروى أحمد والطبراني عن المغيرة بن شعبة قال طلب النبي صلى الله عليه وسلم ماء من امرأة أعرابية فقالت هذه القربة مسك ميتة ولا أحب أنجس به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ارجع إليها فإن كانت دبغتها فهو طهورها فرجعت إليها فقالت لقد دبغتها فأتيته بماء منها، وروى الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم استوهب وضوءا فقيل له لم نجد ذلك إلا في مسك ميتة فقال (أدبغتموه) قالوا نعم قال (فهلم فإن ذلك طهوره) وروى الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن جابر ابن عبد الله قال كنا نصيب مع النبي صلى الله عليه وسلم في مغانمنا من المشركين الأسقية والأوعية فنقسمها كلها ميتة، وبالقياس لأنه جلد طاهر طرأت عليه نجاسة فجاز أن يطهر كجلد المذكاة إذا تنجس. وأجابوا عن احتجاج الأولين بالآية بأنها عامة خصصتها السنة، وأما حديث عبد الله بن عكيم فأجاب عنه البيهقي وجماعة من الحفاظ بأنه مرسل وابن عكيم ليس بصحابي، وكذا قال أبو حاتم، وقال ابن دقيق العيد روي أن إسحاق بن راهويه ناظر الشافعي وأحمد بن حنبل في جلود الميتة إذا دبغت فقال الشافي دباغها طهورها فقال له إسحاق ما الدليل فقال حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن ابن عباس عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (هلا انتفعتم بإهابها) فقال له إسحاق حديث ابن عكيم كتب إلينا النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر أن (لا تنتفعوا بشيء من الميتة بإهاب ولا عصب) فهذا يشبه أن يكون ناسخا لحديث ميمونة لأنه قبل موته بشهر فقال الشافعي رضي الله عنه هذا كتاب وذاك سماع فقال إسحاق إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر وكانت حجة عليهم عند الله فسكت الشافعي فلما سمع ذلك أحمد ذهب إلى حديث ابن عكيم وأفتى به ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي، وقال ابن دقيق العيد كان والدي يحكي عن الحافظ أبي الحسن المقدسي وكان من أئمة المالكية أنه كان يرى أن حجة الشافعي باقية، يريد لأن الكلام في الترجيح بالسماع والكتاب لا في إبطال الاستدلال بالكتاب، وقال الخطابي مذهب عامة العلماء جواز الدباغ والحكم بطهارة الإهاب إذا دبغ ووهنوا هذا الحديث لأن ابن عكيم لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو حكاية عن كتاب أتاهم قال وقد يحتمل إن ثبت الحديث أن يكون النهي إنما جاء عن الانتفاع بها قبل الدباغ فلا يجوز أن نترك به الأخبار الصحيحة التي قد جاءت في الدباغ وأن يحمل على النسخ، وقال غيره قد عللوا حديث ابن عكيم بأنه مضطرب في إسناده حيث روى بعضهم فقال عن ابن عكيم عن أشياخ من جهينة كذا حكاه الترمذي وهؤلاء الأشياخ مجهولون لم تثبت صحبتهم، وقد حكى الترمذي عن أحمد بن حنبل أنه كان يذهب إلى هذا الحديث ثم تركه لهذا الاضطراب وقال الخلال لما رأى أبو عبد الله تزلزل الرواة فيه توقف فيه وقد روى قبل موته بشهر وروى بشهرين وروى بأربعين يوما وروى بثلاثة أيام وروى من غير تقييد بمدة وهي رواية الأكثر وهذا الاضطراب في المتن وأجيب عنه أيضا بأن أخبار الدباغ اصح إسنادا وأكثر رواة فهي أقوى وأولى وبأنه عام في النهي وأخبار الدباغ مخصصة للنهي بما قبل الدباغ مصرحة بجواز الانتفاع بعد الدباغ، والخاص مقدم على العام عند التعارض، وبأن الإهاب في اللغة هو الجلد قبل أن يدبغ ولا يسمى بعده أهابا - كذا قاله الخليل بن أحمد والنضر بن شميل وأبو داود السجستاني وكذا قاله الجوهري وآخرون من أهل اللغة، وهذا من القول بالموجب فإن قالوا هذا الخبر متأخر فيقدم ويكون ناسخا فالجواب من أوجه: أحدها لا نسلم تأخره عن أخبار الدباغ لأنها مطلقة فيجوز أن يكون بعضها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بدون شهرين وشهر، الثاني أنه روي قبل موته بشهر وروي بشهرين وروي بأربعين يوما وكثير من الروايات ليس فيه تاريخ وكذا هو في رواية أبي داود فحصل فيه نوع اضطراب فلم يبق تاريخ يعتمد، الثالث لو سلم تأخره لم يكن فيه دليل لأنه عام وأخبار الدباغ خاصة والخاص مقدم على العام سواء تقدم أو تأخر كما هو معروف عند الجماهير من أهل أصول الفقه. وأما الجواب عن قياسهم على اللحم فمن وجهين: أحدهما أنه قياس في مقابلة نصوص فلا يلتفت إليه، والثاني أن الدباغ في اللحم لا يتأتى وليس فيه مصلحة له بل يمحقه بخلاف الجلد فإنه ينظفه ويطيبه ويصلبه وبهذين الجوابين يجاب عن قولهم العلة في التنجيس الموت وهو قائم واحتج أصحاب المذهب الثاني بما رواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وغيرهم بأسانيد صحيحة عن أبي المليح عامر بن أسامة عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع، وفي رواية للترمذي نهى عن جلود السباع أن تفترش قالوا فلو كانت تطهر بالدباغ لم ينه عن افتراشها مطلقا، وبحديث سلمة بن المحبق السابق دباغها ذكاتها قالوا وذكاة ما لا يؤكل لا تطهره قالوا ولأنه حيوان لا يؤكل فلم يطهر جلده بالدبغ كالكلب، وأجاب أصحابنا بالتمسك بعموم (أيما إهاب) و (إذا دبغ الإهاب) وأن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت فإنها عامة في كل جلد، قالوا وأما الجواب عن حديث النهي عن جلود السباع فمحمول على ما قبل الدباغ فإن قيل لا معنى لتخصي السباع حينئذ بل كل الجلود في ذلك سواء فالجواب أنها خصت بالذكر لأنها كانت تستعمل قبل الدباغ غالبا أو كثيرا، وأما حديث سلمة فمعناه أن دباغ الأديم مطهر له ومبيح لاستعماله كالذكاة فيما يؤكل، وأما قياسهم على الكلب فجوابه الفرق بأنه نجس في حياته فلا يزيد الدباغ على الحياة. واحتج أصحاب المذهب الرابع والخامس والسادس بعموم أحاديث الدباغ وأجاب الأولون عنها بأنها خص منها الكلب والخنزير للمعنى المذكور وهو أنهما نجسان في الحياة فلا يزيد الدباغ عليها. واحتج أصحاب المذهب السابع برواية وردت في حديث ابن عباس (هلا أخذتم إهابها فانتفعتم به) ولم يذكر الدباغ، وأجاب الأولون بأن هذه الرواية مطلقة فتحمل على الروايات المقيدة لما تقرر في أصول الفقه من حمل المطلق على المقيد. إذا تقرر ذلك فنعود إلى مسألتنا فنقول من ذهب إلى أن الشعر لا ينجس بالموت بل هو باق على طهارته وهم أكثر الأئمة كما تقدم فلا إشكال على مذهبه، وكذا من ذهب إلى أنه ينجس بالموت ويطهر بالغسل، وأما من قال بنجاسته بالموت وأنه لا يطهر بالغسل وهو الشافعي رضي الله عنه في أول قوليه وهو المشهور من مذهب فهل يطهر الشعر عنده بالدباغ تبعا للجلد أو لا فيه قولان مشهوران عن الشافعي قال صاحب المهذب: فإن دبغ جلد الميتة وعليه شعر قال في الأم لا يطهر الشعر لأن الدباغ لا يؤثر فيه وروى الربيع بن سليمان الجيزي عنه أن يطهر لأنه شعر نابت على جلد فهو كالجلد في الطهارة كشعر الحيوان في حال الحياة، قال النووي في شرح المهذب هذان القولان للشافعي مشهوران وأصحهما عند الجمهور نصه في الأم أنه لا يطهر، وممن صححه من المصنفين أبو القاسم الصيمري والشيخ أبو محمد الجويني والبغوي والشاشي والرافعي وقطع به الجرجاني في التحرير قال وصحح الأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني والروياني طهارته قال الروياني لأن الصحابة في زمن عمر رضي الله عنه قسموا الفراء المغنومة من الفرس وهي ذبائح مجوس واستدل من صحح القول الأول بحديث أسامة السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع، وروى أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن المقدام بن معدى كرب أنه قال لمعاوية أنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها قال نعم، وروى أبو داود عن معاوية أنه قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب جلود النمورة قالوا نعم، قال الأصحاب يستدل بهذه الأحاديث على أن الشعر لا يطهر بالدباغ لأن النهي متناول لما بعد الدباغ وحيث لا يجوز أن يكون النهي عائدا إلى نفس الجلد فإنه طاهر بالدباغ بالدلائل السابقة فهو عائد إلى الشعر، هذا ما في شرح المهذب، وأقول الذي يترجح عندي بالنظر في الأدلة ما رجحه الاسفراييني والروياني من طهارة الشعر بالدباغ. وقد رجحه أيضا العبادي وقال عليه تدل الآثار، وصححه من المتأخرين ابن أبي عصرون في المرشد لعموم البلوى به والشيخ تقي الدين السبكي قال ولده في التوشيح صحح ابن أبي عصرون طهارة الشعر بالدباغ قال الوالد في مجاميعه وهو الذي اختاره وأفتى به للحديث وقال صاحب الخادم قال بعضهم كأنه يعنى البلقيني هو المختار من جهة الدليل لا سيما وقد قيل إن الشعر لا ينجس بالموت، قلت ومن الأدلة على ما اخترته ما أخرجه مسلم في صحيحه من طريق أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني قال رأيت على ابن أبي وعلة السبائي فروا فمسسته فقال مالك تمسه قد سألت عبد الله ابن عباس قلت أنا نكون بالمغرب ومعنا البربر والمجوس نؤتى بالكبش قد ذبحوه ونحن لا نأكل ذبائحهم ويأتون بالسقاء يجعلون فيه الودك فقال ابن عباس قد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال دباغه طهوره، وأخرج الدارقطني من طريق الوليد بن مسلم عن أخيه عبد الجبار بن مسلم عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة عن ابن عباس قال إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الميتة لحمها فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به، ورجاله على شرط الصحيح إلا عبد الجبار فإنه ضعيف، وأصل الحديث في الصحيح من وجه آخر عن الزهري مختصرا بلفظ إنما حرم من الميتة لحمها دون بقية الحديث، ولم ينفرد عبد الجبار بل توبع فأخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق شبابة عن أبي بكر الهذلي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال إنما حرم من الميتة ما يؤكل منها وهو اللحم فأما الجلد والشعر والصوف فهو حلال، وأخرجه الدارقطني أيضا من طريق زافر بن سليمان عن أبي بكر الهذلي به، وأخرجه أيضا من وجه آخر عن زافر بن سليمان عن أبي بكر الهذلي أن الزهري حدثهم عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه كل شيء من الميتة حلال إلا ما أكل منها فأما الجلد والفرو والشعر والصوف فكل هذا حلال لأنه لا يذكى، وله شاهد أخرجه البيهقي من طريق يوسف بن السعد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال سمعت أم سلمة تقوم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ ولا بصوفها وشعرها إذا غسل بالماء، وله شاهد ثان أخرجه البيهقي عن عبد الله بن قيس البصري أنه سمع ابن مسعود يقول إنما حرم من الميتة لحمها ودمها، وشاهد ثالث أخرجه البيهقي من طريق أبي وائل عن عمر بن الخطاب أنه قال في الفراء ذكاته دباغه، وشاهد رابع أخرجه أحمد والبيهقي من طريق ثابت البناني قال كنت جالسا مع عبد الرحمن بن أبي ليلى فأتاه ذو ضفرتين فقال يا أبا عيسى حدثني ما سمعت من أبيك في الفراء قال حدثني أبي أنه كان جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال يا رسول الله أصلي في الفراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين الدباغ قال ثابت فلما ولى قلت من هذا قال سويد بن غفلة، وشاهد خامس أخرجه أبو الشيخ بن حبان والبيهقي عن أنس بن مالك قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رجل يا رسول الله كيف ترى في الصلاة في الفراء فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم فأين الدباغ، وروى البيهقي أيضا عن قتادة قال سأل داود السراج الحسن عن جلود النمر والسمور تدبغ بالملح قال دباغها طهورها. فهذه أحاديث وآثار صريحة في الحكم من غير معارض صريح، حديث آخر أخرج الترمذي وابن ماجه والحاكم في المستدرك عن سلمان الفارسي قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجبن والفراء فقال الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفى عنه - هذا الحديث بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم صريح في إباحة الفراء كما هو نص استدلوا به في إباحة الجبن ولهذا بوب عليه الترمذي (باب لبس الفراء) وإنما وقع السؤال عن هذين بخصوصهما لما قد يتوهم من نجاستهما لما في الجبن من الأنفحة ولكون الفراء من ميتة ولو كان المراد الفراء المذكاة لم يحسن السؤال عنها للعلم بطهارتها قطعا وقد أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما معا بأنهما مما عفا الله عنه، ولهذا الحديث شاهد موقوف على سلمان، وأخرج عن الحسن مرسلا، قال الترمذي وفي الباب عن المغيرة يشير إلى أن للحديث شاهدا من حديث المغيرة وله شاهد أخرج عن أنس أخر الطبراني في الأوسط عن راشد الحماني قال رأيت أنس بن مالك عليه فرو أحمر فقال كانت لحفنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نلبسها ونصلي فيها، رجال إسناده ثقات إلا أحمد بن القسم فهذا أيضا من الأدلة، ولو كان الفرو الذي رآه على أنس من مذكى لم يكن محل إنكار حتى احتاج أنس إلى الاستدلال على طهارتها بأنهم كانوا يلبسونها ويصلون فيها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأصل حديث سلمان شاهد صحيح من حديث أبي الدرداء أخرج البزار في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم في تفسيرهما والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي في مختصره وابن مردويه في تفسيره عن أبي الدرداء رفع الحديث قال ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا ثم تلا (وما كان ربك نسيا) وشاهد آخر من حديث جابر أخرج ابن مردويه عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك يا كعب ما أحل ربك فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته (وما كان ربك نسيا) وله شاهد آخر من حديث أبي ثعلبة ويؤيد أن سؤالهم في حديث سلمان عن الجبن لأجل ما فيه من الأنفحة وعن الفراء لأجل كونه من ميتة ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن عمرو بن شرحبيل قال ذكرنا الجبن عند عمر بن الخطاب فقلنا إنه يصنع فيه أنافح الميتة فقال عمر سموا الله عليه وكلوا، وروي سعيد أيضا عن الشعبي قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في غزوة تبوك فقيل أن هذه من صنعة المجوس فقال (اذكروا اسم الله وكلوا) <ص وروى سعيد أيضا عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث قال دخلت مع أبي علي ابن عباس فقال له أنه يصنع لنا بالعراق من هذا الجبن وقد بلغني أنه يصنع فيه من أنافح الميتة فقال ابن عباس ما علمت أنه من أنافح الميتة فلا تأكله وما لم تعلم فكله، قال له أبي وأنه يصنع لنا من هذه الفراء وبلغني أنها تصنع من جلود الميتة فقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دباغ كل أديم ذكاته) ورواه الدولابي في الكنى عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث قال قلت لابن عباس الفراء تصنع من جلود الميتة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ذكاة كل مسك دباغه) فهذا أيضا صريح في أن الدباغ يطهر الفراء مطلقا جلدا أو شعرا ومما يستدل به لطهارة الشعر بالدباغ إطلاق الأحاديث السابقة في دباغ إهاب الشاة فإنه لو كان الشعر لا يطهر بالدباغ لبين لهم ذلك وقال انزعوا شعرها وادبغوا الجلد وانتفعوا به وحده لأنه محل بيان وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز فلما أطلق ولم يفصل دل على أن الشعر يطهر بالدباغ تبعا للجلد ومما يستدل به لذلك قوله تعالى (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) وقول الأصحاب إن هذه الآية محمولة على شعر المأكول إذا ذكى وأخذ في حياته يجاب عنه بأن الآية خوطب بها المشركون من أهل مكة ولهذا قيل في أواخر تعداد النعم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون، وقد كان المشركون يذبحون للأصنام وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة يتوقف في أكل ذبائحهم فكانت ذبائحهم ميتة وقد وردت الآية امتنانا عليهم بالانتفاع بشعورها فدل على أن الدباغ طهرها، وقول بعض الفقهاء إن (من) في الآية للتبغيض والمراد البعض الطاهر ينازع فيه بأن (من) هذه ليست هي التبعيضية بل هي التجريدية كما يفهمه من له خبرة بعلم البيان وكذلك هي في الجملتين الأوليين في الآية فهي كالمثال الذي يمثل به أرباب البيان وهو قولهم لي من فلان صديق حميم أي أن فلانا نفسه صديق حميم وليس المراد أن بعضه صديق، وهذا معروف يسمى بالتجريد عند علماء البلاغة. استدلال آخر: قال بعض المجتهدين يمكن أن يستدل لطهارة الشعر بالدباغ بنفس الحديث وهو قوله (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) لأن اسم الإهاب ينطلق على الجلد بشعره فيقال هذا إهاب الميتة ولا يلزم أن يقال هذا إهابها وشعرها وإذا انطلق الاسم عليه حصلت الطهارة قال ومما يؤيده حديث أبي الخير قال رأيت على ابن وعلة فروا فكلمته فيه فقال سألت عبد الله بن عباس فقلت إنا نكون بأرض المغرب ومعنا البربر والمجوس نؤتى بالكبش قد ذبحوه ونحن لا نأكل ذبائحهم ونؤتى بالسقاء يجعلون فيه الودك فقال ابن عباس قد سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال (دباغه طهوره) وحديث ثابت البناني قال كنت سابع سبعة مع عبد الرحمن ابن أبي ليلى في المسجد فأتى شيخ ذو ضفرتين فقال يا أبا عيسى حدثني حديث أبيك في الفراء فقال حدثني أبي قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال يا رسول الله أنصلي في الفراء قال فأين الدبغ فلما ولى قلت من هذا قال هذا سويد بن غفلة. قال هذا المجتهد المذكور يمكن أن يستدل بالحديث على عدم نجاسة الشعور أصلا ورأسا بأن يجعل دليلا على مقدمة في الدليل وطريقه أن يقال لو نجس الشعر بالموت لكان طاهرا بعد الدباغ لكن كان طاهرا قبل الدباغ فلا ينجس بالموت، بيان الملازمة أن الدباغ إنما يفيد الطهارة في ما له أثر ولا أثر للذبائح في الشعر فلا يفيد الطهارة، وبيان أنه طاهر بعد الدباغ أن اسم الإهاب يطلق عليه بالشعر المتصل به فيقال هذا إهاب الشاة مثلا ولا يلزم أن يقال هذا أهابها وشعرها فدل ذلك على إطلاق اسم الإهاب على الجلد بشعره وإذا انطلق عليه وجب أن يطهر لقوله عليه السلام (أيما إهاب دبغ فقد طهر) والاعتراض عليه يمنع الملازمة، وقوله في تقريرها إن الدباغ إنما يفيد الطهارة فيما له أثر يقال عليه إنما يفيدها فيما له فيه أثر قصدا أو تبعا الأول مسلم ونحن لا نقول بأنه يفيدها في الشعر قصدا 0وإنما يفيدها تبعا للجلد بدلالة الحديث وانطلاق لفظ الإهاب على الجميع. انتهى. ومن الأدلة القياسية على طهارة الشعر بالدباغ تبعا للجلد القياس على دن الخمر إذا صارت خلا فإنه يطهر تبعا لها فإن اعترض معترض بأن ذاك من محل الضرورة قلنا وهذا من محل الحاجة، وقد نص الفقهاء في قواعدهم على أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، ومما يستدل به أيضا من جهة القياس مسألة ما لو ولغ الكلب في إناء فيه ماء قليل فإن الماء والإناء ينجسان معا فلو كوثر الماء حتى بلغ قلتين فإن الماء يطهر وكذا الإناء تبعا له في أحد الأوجه فهذا حكم بالطهارة على سبيل التبعية فيقاس عليه الحكم بطهارة الشعر على سبيل التبعية للجلد، ومما يستدل به أيضا من جهة القياس مسألة الدم الباقي على اللحم وعظامه فإنه محكوم بطهارته تبعا للحم لعموم البلوى به كما ارتضاه النووي في شرح المهذب، وقال قد ذكره أبو إسحاق الثعلبي المفسر من أصحابنا ونقل عن جماعة كثيرة من التابعين أنه لا بأس به، ودليله المشقة في الاحتراز منه، وصرح أحمد وأصحابه بأن ما يبقى من الدم في اللحم معفو عنه ولو علت حمرة الدم في القدر لعسر الاحتراز منه، وحكوه عن عائشة وعكرمة والثوري وابن عيينة وأبي يوسف واحمد وإسحاق وغيرهم قلت مع أن الأصل في الدم النجاسة وهي فيه أظهر منها في الشعر لما تقدم من أن أكثر الأئمة على عدم تنجيس الشعر بالموت فيكون الحكم بطهارته تبعا للجلد أولى وأقوى من الحكم بطهارة الدم تبعا للحم. استدلال آخر من طريق القياس المسمى عندهم قيام العكس: قالوا إذا جز الشعر من الحيوان الحي المأكول فهو طاهر لقوله تعالى (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) أمتن به فكان طاهرا والمأخوذ به من المذبوح لا يفي بالحاجة في مثل ذلك فكان شاملا لما جز في حال الحياة فلو قطع في الحياة عضو عليه شعر حكم بنجاسة الشعر تبعا للعضو المحكوم بنجاسته لقوله صلى الله عليه وسلم ما أبين من حي ميت فكما حكم بنجاسة الشعر تبعا للجزء المتصل به المحكوم بنجاسته كذلك قياسه عكسه إذا حكم بطهارة الجلد بالدباغ يحكم بطهارة الشعر المتصل به تبعا، وشاهد أصل قياس العكس قوله صلى الله عليه وسلم "وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر قال "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر" قالوا بلى قال "فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر" رواه مسلم، وطريقة أخرى في الاستدلال وهو أن الأحاديث التي احتججنا بها صريحة في المقصود، والأحاديث التي احتج بها للنجاسة وهي أحاديث النهي عن جلود السباع ليست صريحة وإنما استدل بها بطريق الاستنباط واللزوم للمعنى الذي ذكروه وما كان صريحا فهو مقدم على ما كان بطريق اللزوم وقد سلك ابن دقيق العيد في الترجيح مسلكا آخر فقال نهيه عليه السلام عن افتراش جلود السباع مخصوص بالاتفاق وقوله عليه السلام (أيما إهاب دبغ فقد طهر) غير مخصوص بالاتفاق فيرجح العمل به على معارضه، هذا كلام ابن دقيق العيد. ومسلك آخر في الجواب وهو أنا نمنع عن كون النهي عن جلود السباع لأجل شعرها بل لمعنى آخر أشار إليه الخطابي وهو أنها إنما نهى عنها من أجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء وتمام ذلك أن يقال إنه من صنع الأعاجم وقد صحت الأحاديث بالنهي عن التشبه بفعل الأعاجم أي الفرس، ويؤيد ذلك أمران: أحدهما أن النهي مطلق ولو كان لأجل نجاسة الشعر لكان يزول بنتفه ولا شك أن الحديث شامل للحالتين والثاني أنه لو كان لأجل نجاسة الشعر لم يكن لتخصيص السباع بالذكر فائدة فإن الغنم وسائر الحيوانات كانت تساوي السباع في ذلك فلو لم يكن ذلك لمعنى آخر غير النجاسة لم يكن لتخصيص السباع بالذكر فائدة. وأمر ثالث وهو أن أبا داود روى في سننه من حديث معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تركبوا الخز والنمار" فقران الخز بالنمار في هذا الحديث دليل على أن النهي فيه للسرف والخيلاء لا للنجاسة، وكذلك ما رواه أحمد وابن ماجة من حديث عبد الله بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الميثرة والقسية وحلقة الذهب والمقدم، قال يزيد الميثرة جلود السباع والقسية ثياب مضلعة من ابريسم والمقدم المشبع بالعصفر، وروى الطبراني في الكبير عن ثوبان قال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم التختم بالذهب والقسية وثياب المعصفر والمقدم والنمور فقران جلد السباع والنمور بهذه الأشياء في هذين الحديثين دليل على أن النهي فيه للسرف والخيلاء لا للنجاسة، وروى أبو داود أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر، وهذا أيضا يدل على أن النهي للخيلاء لا للنجاسة لأن الجلد النجس لا يحرم اقتناؤه إنما يحرم لبسه واستعماله في الأشياء الرطبة، والحديث دل على ذم اقتنائه مطلقا فعرف أن المعنى فيه الخيلاء كأواني النقدين حرمت للخيلاء فحرم اقتناؤها، وأمر آخر وهو أنه لو كان النهي لنجاسة الشعر لم يكن يمتنع إلا الجلوس على الوجه الذي فيه الشعر خاصة ولو قلبه وجلس على الوجه الذي لا شعر فيه لم يمتنع لأن ذلك الوجه من الجلد قد طهر بالدباغ قطعا ولا شك أن النهي شامل للوجهين معا كما هو ظاهر الأحاديث السابقة، وعند ابن أبي شيبة في مسنده من حديث معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجلسوا على جلود السباع) وعند الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تفترش مسوك السباع فهذه اطلاقات شاملة للجلد بوجهيه فدل على أن ذلك لمعنى السرف والخيلاء لا للنجاسة، وأيضا فلم يذكر الفقهاء أنه يحرم الجلوس على جلد الميتة النجس إنما ذكروا تحريم لبسه وإلحاق الافتراش به قد لا يسلم، والأحاديث صريحة في النهي عن افتراش جلود السباع والجلوس عليها والركوب عليها فدل ذلك على أنه لمعنى آخر غير النجاسة فإن قلت فقد قال سعيد بن منصور في سننه ثنا عبد الرحمن بن زياد عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن زيد بن وهب قال أتاهم كتاب عمر بن الخطاب وهم في بعض المغازي بلغني أنكم في أرض تأكلون طعاما يقال له الجبن فانظروا ما حلاله من حرامه وتلبسون الفراء فانظروا ذكيه من ميته فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: أحدها أن إسناده ضعيف، والثاني أنه معارض بما تقدم عن عمر في الجبن والفراء أيضا فقد تقدم أن البيهقي أخرج من طريق أبي وائل عن عمر بن الخطاب أنه قال في الفراء ذكاته دباغه، الثالث أن هذا من عمر ليس قولا بأن الشعر لا يطهر بالدباغ ويطهر به الجلد وإنما هو مبني على قوله بأن الدباغ لا يطهر الجلد أصلا ورأسا وقد تقدم أنه مذهب له فكان له في المسألة قولان: أحدهما أن الدباغ يطهر الجلد والشعر معا والآخر أنه لا يطهر لا الجلد ولا الشعر فكل رواية محمولة على قول من قوليه.
فهذا ما أدانا إليه النظر والاجتهاد في هذه المسألة فأجبنا به على حسب ما التمس السائل، وقد سمينا هذا الكتاب (تحفة الانجاب بمسألة السنجاب) وكان إملاؤه يوم الاثنين سابع محرم سنة تسعين وثمانمائة والله أعلم.
مسألة: تراب المسجد إذا تيمم به شخص وقلتم إنه لا يجوز هل يستبيح به ما نواه أو يكون ذلك كاستعمال الدار المغصوبة والثوب الحرير ونحو ذلك أولا، وما الفرق بين ما لو تيمم قبل الاستنجاء فإنه لا يجزئ ولو كان على بدنه نجاسة فإنه يجزئ. الجواب: نعم يستبيح ما نواه كالوضوء بماء مغصوب والتيمم بتراب مغصوب وكذلك الوضوء بالماء المسبل للشرب صحيح مع تحريمه، وأما المسألة الأخيرة فقد فرق الأصحاب بفروق منها أن نجاسة محل النجو ناقضة للطهارة موجبة للتيمم فلم يصح التيمم مع وجودها بخلاف غيرها - كذا فرق الداركي وتبعه صاحب المهذب وأقره النووي في شرحه، ومنها أن نجاسة غير الاستنجاء لا تزول إلا بالماء فلو قلنا لا يصح تيممه حتى يزيلها لتعذر عليه الصلاة إن لم يجد الماء بخلاف الاستنجاء لأنه يرتفع حكمه بالحجر فيمكنه تقديم الحجر حتى يصح تيممه فلزمه - كذلك فرق المتولى في التتمة، قال صاحب الوافي وهذا فرق دقيق نفيس. مسألة: لو تيمم في موضع الغالب فيه عدم الماء ثم انتقل إلى موضع الغالب فيه وجود الماء أو عكسه فهل المعتبر في وجوب القضاء وعدمه موضع التيمم أو موضع الصلاة أو هما وهل في ذلك نقل للأصحاب. الجواب: هذا السؤال غير موجه لأن الانتقال يوجب تجديد طلب الماء ويبطل التيمم إذا توهمه فإن فرض تعين العدم بحيث لا يبطل التيمم ولا يجب تجديد الطلب فالعبرة فيما يظهر بموضع الصلاة. مسألة: في مفهوم هذه العبارة وهي قوله وصاحب الجبائر يمسح عليها ويتيمم ويصلي ولا إعادة عليه إن كان وضعها على طهر، ما المراد بالطهر هل هو عن الجنابة أو أعم من ذلك. الجواب: المراد جنس الطهر الذي تيمم فيه فإن كان ذلك في الغسل فالمراد طهر الجنابة أو في الوضوء فالمراد طهر الحدث صرح به في الخادم. مسألة: في قول المنهاج وكذا استدامتها إلى مسح شيء من الوجه هل استدامتها إلى الوجه واجب ذكرا حتى أنها لو عزبت بعد النقل وقبل الوجه واستحضرها عندها لا تكفي أم الواجب استحضارها عند النقل وعند الوجه فقط حتى لو عزبت بينهما كفى، وإذا تيمم لمس المصحف فهل له صلاة النفل. الجواب: المتجه كما ذكره في المهمات وصرح به أبو خلف الطبري الاكتفاء بها عند النقل والمسح ولو عزبت بينهما ولا مفهوم لتعبير المنهاج بالاستدامة، ولو تيمم لمس المصحف فليس له صلاة النفل صرح به في التحقيق. مسألة: إذا تيمم الخطيب لخطبة الجمعة هل يقول نويت استباحة فرض الخطبة أم ماذا ينوى، وما كيفية نية المتيمم العاجز عن غسل الجمعة وغيرها إذا تيمم، وغاسل الميت إذا أوجبتم عليه النية أو قلتم باستحبابها كيف يقول في الغسل وإذا لم يجد الماء ويمم الميت كيف ينوى. الجواب: ينوى الخطيب استباحة فرض الخطبة أو استباحة خطبة الجمعة أخذا من قول الأصحاب ينوي المتيمم استباحة ما لا يستباح إلا بالطهارة وينوي العاجز عن غسل الجمعة التيمم عن سنة غسل الجمعة. قلته تفقها ولم أره منقولا، وأما غاسل الميت ففي شرح المهذب قال نصر المقدسي وصاحب البيان صفة النية أن ينوي بقلبه عند إفاضة الماء القراح أنه غسل واجب، وقال القاضي أبو الطيب في كتابه المجر ينوي الغسل الواجب أو الفرض أو غسل الميت، وأما إذا يمم فلم أر من صرح به، ويحتمل أن يقال إذا يمم الميت لا يحتاج إلى نية كما لا يحتاج غسله إلى نية في الأصح، ويحتمل أن يقال إنه يحتاج إليها، ويفرق بين التيمم والغسل كما قالت الحنفية أن النية لا تجب في الوضوء وغسل الجنابة ومع ذلك أوجبوا النية في التيمم عنهما ولذلك قال الشافعي في الرد عليهم طهارتان أنى يفترقان، وهذا النص إذا تمسك بإطلاقه عضد الاحتمال الأول وهو أنه لا يحتاج تيمم الميت إلى نية فإن قلنا يحتاج إليها أو يستحب نوى التيمم الواجب أو البدل من الغسل أو استباحة الصلاة عليه ونحو ذلك. مسألة: قولهم في الجبيرة إن وضعت على طهر لم يقض، هل المراد طهر محلها فقط أو تمام الوضوء. الجواب: قال الزركشي في الخادم ما نصه ينبغي أن يبحث عن المراد بالطهر هل هو طهر كامل وهو ما يبيح الصلاة كالخف أو المراد طهارة المحل فقط، فيه نظر وصرح الإمام وصاحب الاستقصاء بالأول والأشبه الثاني وقال ابن الأستاذ ينبغي أن يضعها على وضوء كامل كما في لبس الخف انتهى.
مسألة – الحمد لله معيد ما بدا *** بعد فناء لم يكن ذاك سدى ثم الصلاة والسلام الكمل *** على النبي الهاشمي المفضل وآله وصحبه وعترته *** وكل من مات على محبته جوابكم يا سادة أفادوا *** طالبهم وبالعلوم سادوا في حائض ببيتها مقيمة *** ذي جدة صحيحة سليمة بعد انقطاع دمها المحرم *** هل يستباح الوطء بالتيمم من غير عذر مع وجود الماء *** بظنها الغالب للإيذاء وبيتها في خطة الحمام *** مطيقة السعي على الأقدام ذي سعة لأجرة وغيرها *** ولم تكن محجوبة في خدرها فهل يبيح وطأها التيمم *** من غير عذر أم بغسل تلزم أم حكمها في ذاك حكم الجنب *** والنفساء حكمها في المذهب وإن أبحتم وطأها بالترب *** ما قولكم في محرم يلبى فهل له اللبس قبيل العذر *** بغالب الظن بغير وزر أم بعد ما يحصل عذر ظاهر *** يجوز لبس وغطاء ساتر ولو طرا عذر وزال عنه *** هل يجب النزع ببرء منه ولو تمادى لابسا والعذر *** قد زال هل يسقط عنه الوزر وإن بغير العذر لبس حصلا *** هل الفدا يجزيه مما حملا أم هو عاص آثم والجاني *** فداه لم ينجه من العصيان وهل بهذا الفعل بر حجه *** أم غير مبرور كما قد وجهوا وحائض والنفسا هل تقضيا *** صومهما دون صلاة ألغيا أم يختلف حكمهما عند قضا *** صلاة فرض عن أداها أعرضا وضح لنا الجواب شيخ السنة *** أثابك الله الكريم الجنة أجز جوابا يا جلال الدين *** لعبدك السائل بالتبيين يا من له نظم على الفتاوى *** يشوق كل عالم وراوي لا زال ناديك الرحيب محتفل *** بالوفد عن طلاب خير مشتمل يا شيخ الإسلام ويا حبر النهي *** ومن له مرتبة تعلو السها انتهى
الجواب – الحمد لله على امتنان *** لعجز عن أحصاه باللسان ثم الصلاة والسلام أبدا *** على النبي الهاشمي أحمدا وآله الأولى حووا كل الشرف *** وصحبه والتابعين والسلف إن حائض قد أقلعت عنها الدما *** ووجدت فاقدة للعذر ما أو كان في بلدتها حمام *** فما إلى وصالها مرام وإنما يجوز بالتراب *** لفقد هذين بلا ارتياب ومحرم قبل طروء العذر *** أجز له اللبس بغير وزر بغالب الظن ولا توقف *** على حصوله فهذا الأرأف نظيره من ظن من غسل بما *** حصول سقم جوزوا التيمما ومن تزل أعذاره فليقلع *** مبادرا وليقض أن لم ينزع وليس ينجيه الفدا من وزره *** كمن نحده بشرب خمره لو كان ينجيه الفدا من وزر *** لسرى العذر بغير العذر ولا يكون حجه مبرورا *** ما لم يتب يكن له طهورا وحائض ونفسا فليقضيا *** الصوم لا الصلاة فيما رويا وليس بين تين من خلاف *** فيما ذكرناه بلا خلاف هذا جواب نجل الأسيوطي *** معتصما بربه القوي
|